بلا عنوان

0

 

                         مدخل  إلى العلوم القانونية

                             المحاضرة الاولى    

                           تحديد مفهوم القانون

 

الإنسان كائن اجتماعي ، إذ لا غنى له عن الحياة في مجتمـع ، فهـو عاجز بمفرده عن تأمين مختلف حاجاته، وإشباع رغباته ، ولذلك لا يمكـن أن يعيش بمعزل عن أقرانه . غير أن الحياة في جماعة تتطلب تنظيم سلوك أفرادها وعلاقاتهم عـن طريق وضع قواعد تبين لكل منهما ما له من حق ، وما عليه من واجب ، لمنع أي تداخل بين المصالح، ولتجنب الفوضى، واختلال التوازن، وذلك لما عرفبه الإنسان من أنانية وحب للذات.

 فلو انعدم مثل هذا التنظيم لكانت الكلمة المسـموعة هـي الفوضـى ، ولسادت شريعة الغاب، وأصبحت بالتالي الغلبـة للأقـوى، ولصـدقت كلمـةالفيلسوف الفرنسي BOSSUET)) : حيث يملك الكل فعل ما يشاء ولا يملـك أحد فعل ما يشاء ، وحيث لا سيد فالكل سيد، وحيث الكل سيد فالكل عبد)) لذا ظهرت الحاجة إلى القانون للحد من حريات الأفراد، وإزالة ما فيها من تعارض، وللتوفيق بين مصالحهم، وذلك بعد أن استشعر الأفراد الحاجة إلى قواعد تنظم صراع المصالح بينهم، الأمر الذي من شأنه أن يـودي بالجماعـة كلها، وهو ما لا يمكن تجنبه إلا عن طريق فرض سـلوك معـين يلتـزم بـه الجميع، مما يحقق النظام والاستقرار في المعاملات ويطلق على القواعد التي تنظم سلوك الأفراد وتحكم علاقاتهم عبارة " قواعد السلوك" ، وتهدف هذه القواعد أساساً إلى تنظيم حقوق الأفراد وحمايتها، وذلك عن طريق تحديد مجال خاص بكل فرد مـن شـأنه أن يمنـع تـدخل لآخرين، ولكن هذا التحديد لا يتأتى إلا بتعيين ما لكل فرد من حقـوق ،ومـا عليه من واجبات ، على نحو يضمن لكل فرد، في آن واحد الاسـتمتاع بهـذه الحقوق- وهو في مأمن من تدخل الأفراد الآخرين- والوفاء بواجباته .

 

 ونعرض في هذه المحاضرة  تعريف القانون،

 

يطلق مصطلح القانون على كل قاعدة ثابتة تفيد استمرار أمـر معـين وفقاً لنظام ثابت ، فهو يستخدم للإشارة إلى العلاقة التي تحكم الظواهر الطبيعية ، أو للإشارة إلى العلاقة التي تحكم قواعد السـلوك، فيقـال: مـثلاً ، قـانون الجاذبية ، وقانون الغليان، وقانون العرض والطلب، إلا أنه في مجال العلـوم الاجتماعية وخصوصاً في مجال الدراسات القانونية ينصرف اصطلاح القانون عموماً إلى مجموعة القواعد التي تطبـق علـى الأشـخاص فـي علاقـاتهم الاجتماعية ، ويفرض عليهم احترامها ومراعاتها في سلوكهم بغية تحقيق النظامفي المجتمع.

وللقانون معنيان ،أحدهما واسع والآخر ضيق. فالقانون بمعناه الواسع،

هو مجموعة القواعد العامة المجردة التي تهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد داخلالمجتمع، والمقترنة بجزاء توقعه السلطة العامة جبراً على من يخالفها. وهـذا التعريف يشمل معه أيضاً القواعد المعمول بها في المجتمع حتى لو كانت مـن قبيل العرف، أو الدين، أو الفقه، أو القضاء.

أما القانون بمعناه الضيق، فهو مجموعة القواعد الملزمة التي تصدرها السلطة التشريعية لتنظيم علاقات الأفراد ببعض أو علاقاتهم بالدولة فـي أحـدمجالات الحياة الاجتماعية.

وكلمة "قانون" كلمة معربة يرجع أصلها إلى اللغة اليونانية فهي مأخوذة من الكلمة اليونانية Kanun ومعناها العصا المستقيمة، وقد انتقلت هذه الكلمـة إلى عدة لغات منهـا، الفرنسـية Droit ،والإيطاليـة Diricto ،واللاتينيـة Directus ،والإنجليزية Law ،

 

ويعرف القانون في اللغـة العربيـة بـالخط المستقيم الذي هو معيار كل انحراف.فكلمة القانون تستخدم معياراً لقياس مدى احترام الفرد لما تأمر به القاعدة أو تنهاه عنه، أو انحراف عن ذلك، فإن سـار وفقاً لمقتضاه كان سلوكه مستقيماً، وإن تمرد عنه كان سلوكه غير مستقيم.

 

وتستعمل كلمة DROIT في اللغة الفرنسية للدلالة على كل من كلمتي القانونٌ وٌالحقٌ ، وفـي الإنجليزيـة يسـتعملون كلمـة Law ليـدلون علـى القانون،الذي هو عبارة عن أحكام مقننة تضعها وتصدرها السلطة التشـريعية وكلمة right ليعبروا بها عن الحق في البلاد لما ترى وجوب مراعاته، ويرتبط القانون بالحق بعلاقات وثيقة ومتلازمة، فلا ينشأ الحـق إلا إذا أقرته واعترفت به قاعدة من قواعد القانون.

 

وقد اختلف الفقه في تعريف الحق من مذهب إلى آخر، فقد عرفه فريق من الفقه، بأنه قدرة أو سلطة إرادية مخولة لشخص، في حين عرفه فريق ثان منهم بأنه، مصلحة يحميها القانون.وعرفه فريق ثالث من الفقه بأنه سـلطة أو إمكانية أو إمتياز يمنحه القانون للشخص تمكيناً له من تحقيق مصلحة مشروعة . فالحق بهذا المعنى لا يتمثـل إذن بالقواعـد  يعترف له بها القانون ويحميهاالقانونية نفسها وإنما بما تقره هذه القواعد للأشخاص، وما تمنحهم من سلطات ومكنات وميزات.

 

  فالقاعدة القانونية التي تمنح الحق للمستأجر في سكن العقار المـأجور، والقاعدة التي تمنح الحق للبائع في استيفاء ثمن المبيع من المشتري...الخ، إنما تدخلان في نطاق القانون، أما ما ينشأ عن هذه القواعد من سـلطات وميـزات يتمتع بها المستأجر أو البائع فإنما تعدّ حقوقاً يعتـرف بهـا القـانون لهـؤلاء الأشخاص ويمنحهم إياها. إلا أن هذه التعاريف الفقهية للحق وجهت لها انتقادات من جانب الفقه ، وهي تعاريف غير بعيدة عن الصواب، ولكن التعريف الأقرب إلى الصـواب هو تعريف الفقيه (دابان ) للحق ׃إذ عرف الحق بأنه استئثار شـخص بقيمـة معينة، أو شيء معين عن طريق التسلط على تلك القيمة أو على هذا الشيء.

 ويهدف القانون بصورة أساسية إلى تحديد الحقوق وبيان مداها، وكيفية اكتسابها وانقضائها. فالحق هو ثمرة القانون ونتيجته، كما أن القـانون يتمثـل . فكل حق يقابله واجب، ومن هنا عملياً حين تطبيقه بما ينجم عنه من حقوق يتبين أن الحق والواجب وجهان لعملة واحدة، فلا يتصـور وجـود أحـدهما منفصلاً عن الآخر، كما أن الحق لا يوجد بغير القانون، والقانون لم يوجـد إلا. كالقاعدة القانونية التي أوردتها  لتقرير الحق وتنظيمه ورسم حدوده وحمايته.

 

و كخلاصة لهذه المحاضرة فان تعريف القانون هو

"مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها"

 

والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه، وهو المعنى المقصود من هذه الدراسة.


إرسال تعليق

0تعليقات

لا يسمح بالتعليقات الجديدة.*